الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي للفتاوي ***
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. وبعد فقد كثر السؤال عن رؤية أرباب الأحوال للنبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة وإن طائفة من أهل العصر ممن لا قدم لهم في العلم بالغوا في إنكار ذلك والتعجب منه وادعوا أنه مستحيل فألفت هذه الكراسة في ذلك وسميتها تنوير الحلك في إمكان رؤية النبي والملك ونبدأ بالحديث الصحيح الوارد في ذلك: أخرج البخاري ومسلم وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي، وأخرج الطبراني مثله من حديث مالك بن عبد الله الخثعمي ومن حديث أبي بكرة، وأخرج الدارمي مثله من حديث أبي قتادة. قال العلماء اختلفوا في معنى قوله فسيراني في اليقظة فقيل معناه فسيراني في القيامة وتعقب بأنه بلا فائدة في هذا التخصيص لأن كل أمته يرونه يوم القيامة من رآه منهم ومن لم يره، وقيل المراد من آمن به في حياته ولم يره لكونه حينئذ غائبا عنه فيكون مبشرا له أنه لا بد أن يراه في اليقظة قبل موته، وقال قوم هو على ظاهره فمن رآه في النوم فلا بد أن يراه في اليقظة يعني بعيني رأسه وقيل بعين في قلبه حكاهما القاضي أبو بكر ابن العربي، وقال الإمام أبو محمد بن أبي جمرة في تعليقه على الأحاديث التي انتقاها من البخاري: هذا الحديث يدل على أنه من رآه صلى الله عليه وسلم في النوم فسيراه في اليقظة وهل هذا على عمومه في حياته وبعد مماته أو هذا كان في حياته وهل ذلك لكل من رآه مطلقا أو خاص بمن فيه الأهلية والاتباع لسنته عليه السلام اللفظ يعطى العموم ومن يدعي الخصوص فيه بغير مخصص منه صلى الله عليه وسلم فمتعسف قال وقد وقع من بعض الناس عدم التصديق بعمومه وقال على ما أعطاه عقله وكيف يكون من قد مات يراه الحي في عالم الشاهد قال وفي قول هذا القول من المحذور وجهان خطران أحدهما عدم التصديق لقول الصادق عليه السلام الذي لا ينطق عن الهوى والثاني الجهل بقدرة القادر وتعجيزها كأنه لم يسمع في سورة البقرة قصة البقرة وكيف قال الله تعالى (اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى) وقصة إبراهيم عليه السلام في الأربع من الطير وقصة عزير فالذي جعل ضرب الميت ببعض البقرة سببا لحياته وجعل دعاء إبراهيم سببا لإحياء الطيور وجعل تعجب عزير سببا لموته وموت حماره ثم لإحيائها بعد مائة سنة قادر أن يجعل رؤيته صلى الله عليه وسلم في النوم سببا لرؤيته في اليقظة وقد ذكر عن بعض الصحابة أظنه ابن عباس رضي الله عنهما أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فتذكر هذا الحديث وبقي يفكر فيه ثم دخل على بعض أزواج النبي أظنها ميمونة فقص عليها قصته فقامت وأخرجت له مرآته صلى الله عليه وسلم قال رضي الله عنه فنظرت في المرآة فرأيت صورة النبي صلى الله عليه وسلم ولم أر لنفسي صورة قال وقد ذكر عن بعض السلف والخلف وهلم جرا ممن كانوا رأوه صلى الله عليه وسلم في النوم وكانوا ممن يصدقون بهذا الحديث فرأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متشوشين فأخبرهم بتفريجها ونص لهم على الوجوه التي منها يكون فرجها فجاء الأمر كذلك بلا زيادة ولا نقص قال والمنكر لهذا لا يخلو إما أن يصدق بكرامات الأولياء أو يكذب بها فإن كان ممن يكذب بها فقد سقط البحث معه فإنه يكذب ما أثبتته السنة بالدلائل الواضحة وإن كان مصدقا بها فهذه من ذلك القبيل لأن الأولياء يكشف لهم بخرق العادة عن أشياء في العالمين العلوي والسفلي عديدة فلا ينكر هذا مع التصديق بذلك انتهى كلام ابن أبي جمرة. وقوله إن ذلك عام وليس بخاص بمن فيه الأهلية والاتباع لسنته عليه السلام مراده وقوع الرؤية الموعود بها في اليقظة على الرؤية في المنام ولو مرة واحدة تحقيقا لوعده الشريف الذي لا يخلف وأكثر ما يقع ذلك للعامة قبيل الموت عند الاحتضار فلا يخرج روحه من جسده حتى يراه وفاء بوعده وأما غيرهم فتحصل لهم الرؤية في طول حياتهم إما كثيرا وإما قليلا بحسب اجتهادهم ومحافظتهم على السنة، والاخلال بالسنة مانع كبير أخرج مسلم في صحيحه عن مطرف قال قال لي عمران بن حصين قد كان يسلم علي حتى اكتويت فترك ثم تركت الكي فعاد وأخرج مسلم من وجه آخر عن مطرف قال بعث إلي عمران بن حصين في مرضه الذي توفي فقال إني محدثك فإن عشت فاكتم عني وإن مت فحدث بها إن شئت إنه قد سلم عليّ، قال النووي في شرح مسلم معنى الحديث الأول أن عمران بن حصين كانت به بواسير فكان يصبر على ألمها وكانت الملائكة تسلم عليه واكتوى وانقطع سلامهم عليه ثم ترك الكي فعاد سلامهم عليه، قال وقوله في الحديث الثاني فإن عشت فاكتم عني أراد به الإخبار بالسلام عليه لأنه كره أن يشاع عنه ذلك في حياته لما فيه من التعرض للفتنة بخلاف ما بعد الموت، وقال القرطبي في شرح مسلم يعني أن الملائكة كانت تسلم عليه إكراما له واحتراما إلى أن اكتوى فتركت السلام عليه ففيه إثبات كرامات الأولياء انتهى، وأخرج الحاكم في المستدرك وصححه من طريق مطرف بن عبد الله عن عمران بن حصين قال اعلم يا مطرف أنه كان يسلم على الملائكة عند رأسي وعند البيت وعند باب الحجرة فلما اكتويت ذهب ذاك قال فلما برأ كلمه قال اعلم يا مطرف أنه عاد إلي الذي كنت اكتم علي حتى أموت. فانظر كيف حجب عمران عن سماع تسليم الملائكة لكونه اكتوى مع شدة الضرورة الداعية إلى ذلك لأن الكي خلاف السنة، قال البيهقي في شعب الإيمان لو كان النهي عن الكي على طريق التحريم لم يكتو عمران مع علمه بالنهي غير أنه ركب المكروه ففارقه ملك كان يسلم عليه فحزن على ذلك وقال هذا القول ثم قد روي أنه عاد إليه قبل موته انتهى. وقال ابن الأثير في النهاية يعني أن الملائكة كانت تسلم عليه فلما اكتوى بسبب مرضه تركوا السلام عليه لأن الكي يقدح في التوكل والتسليم إلى الله والصبر على ما يبتلى به العبد وطلب الشفاء من عنده وليس ذلك قادحا في جواز الكي ولكنه قادح في التوكل وهي درجة عالية وراء مباشرة الأسبات، وأخرج ابن سعد في الطبقات عن قتادة أن الملائكة كانت تصافح عمران بن حصين حتى اكتوى فتنحت عنه، وأخرج أبو نعيم في دلائل النبوة عن يحيى بن سعيد القطان قال ما قدم علينا البصرة من الصحابة أفضل من عمران ابن حصين أتت عليه ثلاثون سنة تسلم عليه الملائكة من جوانب بيته، وأخرج الترمذي في تاريخه وأبو نعيم والبيهقي في دلائل النبوة عن غزالة قالت كان عمران بن حصين يأمرنا أن نكنس الدار ونسمع السلام عليكم السلام عليكم ولا نرى أحدا، قال الترمذي هذا تسليم الملائكة. وقال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في كتاب المنقذ من الضلال ثم أنني لما فرغت من العلوم أقبلت بهمتي على طريق الصوفية والقدر الذي اذكره لينتفع به أنني علمت يقينا أن الصوفية هم السالكون لطرق الله وأن سيرهم وسيرتهم أحسن السير وطريقهم أحسن الطرق وأخلاقهم أزكى الأخلاق بل لو جمع عقل العقلاء وحكمة الحكماء وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء لغيروا شيئا من سيرهم وأخلاقهم ويبدلوه بما هو خير منه لم يجدوا إليه سبيلا فإن جميع حركاتهم وسكناتهم في ظواهرهم وبواطنهم مقتبس وليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به إلى أن قال حتى أنهم وهم في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتا ويقتبسون منهم فوائد ثم يرتقي الحال من مشاهدة الصور والأمثال إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق هذا كلام الغزالي، وقال تلميذه القاضي أبو بكر بن العربي أحد أئمة المالكية في كتاب قانون التأويل ذهبت الصوفية إلى أنه إذا حصل للإنسان طهارة النفس في تزكية القلب وقطع العلائق وحسم مواد أسباب الدنيا من الجاه والمال والخلطة بالجنس والإقبال على الله تعالى بالكلية علما دائما وعملا مستمرا كشفت له القلوب ورأى الملائكة وسمع أقولهم واطلع على أرواح الأنبياء وسمع كلامهم، ثم قال ابن العربي من عنده ورؤية الأنبياء والملائكة وسماع كلامهم ممكن للمؤمن كرامة وللكافر عقوبة انتهى. وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في القواعد الكبرى وقال ابن الحاج في المدخل رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة باب ضيق وقل من يقع له ذلك إلا من كان على صفة عزيز وجودها في هذا الزمان بل عدمت غالبا مع أننا لا ننكر من يقع له هذا من الأكابر الذين حفظهم الله في ظواهرهم وبواطنهم. قال وقد أنكر بعض علماء الظاهر رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة وعلل ذلك بأن قال العين الفانية لا ترى العين الباقية والنبي صلى الله عليه وسلم في دار البقاء والرائي في دار الفناء. وقد كان سيدي أبو محمد بن أبي جمرة يحل هذا الاشكال ويرده بأن المؤمن إذا مات يرى الله وهو لا يموت والواحد منهم يموت في كل يوم سبعين مرة انتهى. وقال القاضي شرف الدين هبة الله بن عبد الرحيم البارزي في كتاب توثيق عرى الإيمان قال البيهقي في كتاب الاعتقاد الأنبياء بعد ما قبضوا ردت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم كالشهداء وقد رأى نبينا صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج جماعة منهم وأخبر وخبره صدق أن صلاتنا معروضة عليه وأن سلامنا يبلغه وأن الله تعالى حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء قال البارزي وقد سمع من جماعة من الأولياء في زماننا وقبله أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة حيا بعد وفاته قال وقد ذكر ذلك الشيخ الإمام شيخ الإسلام أبو البيان نبا ابن محمد بن محفوظ الدمشقي في نظيمته انتهى. وقال الشيخ أكمل الدين البابرتي الحنفي في شرح المشارق في حديث من رآني: الاجتماع بالشخصين يقظة ومناما لحصول ما به الاتحاد وله خمسة أصول كلية الاشتراك في الذات أو في صفة فصاعدا أو في حال فصاعدا أو في الأفعال أو في المراتب وكل ما يتعقل من المناسبة بين شيئين أو أشياء لا يخرج عن هذه الخمسة وبحسب قوته على ما به الاختلاف وضعفه يكثر الاجتماع ويقل وقد يقوى على ضده فتقوى المحبة بحيث يكاد الشخصان لا يفترقان وقد يكون بالعكس ومن حصل الأصول الخمسة وثبتت المناسبة بينه وبين أرواح الكمل الماضين اجتمع بهم متى شاء. وقال الشيخ صفي الدين بن أبي المنصور في رسالته والشيخ عفيف الدين اليافعي في روض الرياحين قال الشيخ الكبير قدوة الشيوخ العارفين وبركة أهل زمانه أبو عبد الله القرشي لما جاء الغلاء الكبير إلى ديار مصر توجهت لأن ادعو فقيل لي لا تدع فما يسمع لأحد منكم في هذا الأمر دعاء فسافرت إلى الشام فلما وصلت إلى قريب ضريح الخليل عليه السلام تلقاني الخليل فقلت يا رسول الله اجعل ضيافتي عندك الدعاء لأهل مصر فدعا لهم ففرج الله عنهم. قال اليافعي وقوله تلقاني الخليل قول حق لا ينكره إلا جاهل بمعرفة ما يرد عليهم من الأحوال التي يشاهدون فيها ملكوت السماء والأرض وينظرون الأنبياء أحياء غير أموات كما نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى موسى عليه السلام في الأرض ونظره أيضا هو وجماعة من الأنبياء في السماوات وسمع منهم مخاطبات وقد تقرر أن ما جاز للأنبياء معجزة جاز للأولياء كرامة بشرط عدم التحدي. وقال الشيخ سراج الدين بن الملقن في طبقات الأولياء قال الشيخ عبد القادر الكيلاني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الظهر فقال لي يا بني لم لا تتكلم قلت يا أبتاه أنا رجل أعجمي كيف أتكلم على فصحاء بغداد فقال افتح فاك ففتحته فتفل فيه سبعا وقال تكلم على الناس وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة فصليت الظهر وجلست وحضرني خلق كثير فارتج عليّ فرأيت عليا قائما بأزائي في المجلس فقال لي يا بني لم لا تتكلم قلت يا أبتاه قد ارتج علي فقال افتح فاك ففتحته فتفل فيه ستا فقلت لم لا تكملها سبعا قال أدبا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم توارى عني فقلت غواص الفكر يغوص في بحر القلب على در المعارف فيستخرجها إلى ساحل الصدر فينادي عليها ترجمان اللسان فتشتري بنفائس أثمان حسن الطاعة في بيوت أذن الله أن ترفع. وقال أيضا في ترجمة الشيخ خليفة بن موسى النهر ملكي كان كثير الرؤية لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة ومناما فكان يقال أن أكثر أفعاله متلقاة منه بأمر منه إما يقظة وإما مناما ورآه في ليلة واحدة سبع عشرة مرة قال له في إحداهن يا خليفة لا تضجر مني كثير من الأولياء مات بحسرة رؤيني. وقال الكمال الأدفوي في الطالع السعيد في ترجمة الصفي أبي عبد الله محمد بن يحيى الأسواني نزيل أخميم من أصحاب أبي يحيى بن شافع كان مشهورا بالصلاح وله مكاشفات وكرامات كتب عنه ابن دقيق العيد وابن النعمان والقطب العسقلاني وكان يذكر أنه يرى النبي صلى الله عليه وسلم ويجتمع به. وقال الشيخ عبد الغفار بن نوح القوصي في كتابه الوحيد من أصحاب الشيخ أبي يحيى أبو عبد الله الأسواني المقيم بأخميم كان يخبر أنه يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل ساعة حتى لا تكاد ساعة إلا ويخبر عنه. وقال في الوحيد أيضا كان للشيخ أبي العباس المرسي وصلة بالنبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم رد عليه السلام ويجاوبه إذا تحدث معه. وقال الشيخ تاج الدين بن عطاء الله في لطائف المنن قال رجل للشيخ أبي العباس المرسي يا سيدي صافحني بكفك هذه فإنك لقيت رجالا وبلادا فقال والله ما صافحت بكفي هذه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال وقال الشيخ لو حجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين. وقال الشيخ صفي الدين بن أبي المنصور في رسالته والشيخ عبد الغفار في الوحيد حكي عن الشيخ أبي الحسن الوناني قال أخبرني الشيخ أبو العباس الطنجي قال وردت على سيدي أحمد بن الرفاعي فقال لي ما أنا شيخك شيخك عبد الرحيم بقنا فسافرت إلى قنا فدخلت على الشيخ عبد الرحيم فقال لي عرفت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لا قال رح إلى بيت المقدس فحين وضعت رجلي وإذا بالسماء والأرض والعرش والكرسي مملوءة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعت إلى الشيخ فقال لي عرفت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت نعم قال الآن كملت طريقتك لم تكن الأقطاب أقطابا والأوتاد أوتادا والأولياء أولياء إلا بمعرفته صلى الله عليه وسلم وقال في الوحيد وممن رأيته بمكة الشيخ عبد الله الدلاصي أخبرني أنه لم تصح له صلاة في عمره إلا صلاة واحدة قال وذلك أني كنت بالمسجد الحرام في صلاة الصبح فلما أحرم الإمام وأحرمت أخذتني أخذة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إماما وخلفه العشرة فصليت معهم وكان ذلك في سنة ثلاث وسبعين وستمائة فقرأ صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى سورة المدثر وفي الثانية عم يتساءلون فلما سلم دعا بهذا الدعاء: اللهم اجعلنا هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين لا طمعا في برك ولا رغبة فيما عندك لأن لك المنة علينا بإيجادنا قبل أن لم نكن فلك الحمد على ذلك لا إله إلا أنت. فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم الإمام فعقلت تسليمه فسلمت. وقال الشيخ صفي الدين في رسالته: قال لي الشيخ أبو العباس الحرار دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم مرة فوجدته يكتب مناشير للأولياء بالولاية وكتب لأخي محمد منهم منشورا قال وكان أخو الشيخ كبيرا في الولاية كان على وجهه نور لا يخفى على أحد أنه ولي فسألنا الشيخ عن ذلك فقال نفخ النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه فأثرت النفخة هذا النور. قال الشيخ صفي الدين ورأيت الشيخ الجليل الكبير أبا عبد الله القرطبي أجل أصحاب الشيخ القرشي وكان أكثر إقامته بالمدينة النبوية وكان له بالنبي صلى الله عليه وسلم وصلة وأجوبة ورد للسلام حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة للملك الكامل وتوجه بها إلى مصر وأداها وعاد إلى المدينة، قال وممن رأيت بمصر الشيخ أبا العباس العسقلاني أخص أصحاب الشيخ القرشي زاهد مصر في وقته وكان أكثر أوقاته في آخر عمره بمكة يقال أنه دخل مرة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الله بيدك يا أحمد. وحكي عن بعض الأولياء أنه حضر مجلس فقيه فروى ذلك الفقيه حديثا فقال له الولي هذا الحديث باطل فقال الفقيه ومن أين لك هذا فقال هذا النبي صلى الله عليه وسلم واقف على رأسك يقول أني لم أقل هذا الحديث وكشف للفقيه فرآه. وفي كتاب المنح الالهية في مناقب السادة الوفائية لابن فارس قال سمعت سيدي علي رضي الله عنه يقول كنت وأنا ابن خمس سنين أقرأ القرآن على رجل يقال له الشيخ يعقوب فأتيته يوما فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناما وعليه قميص أبيض قطن ثم رأيت القميص علي فقال لي اقرأ فقرأت عليه سورة والضحى وألم نشرح ثم غاب عني فلما أن بلغت إحدى وعشرين سنة أحرمت لصلاة الصبح بالقرافة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قبالة وجهي فعانقني وقال لي (وأما بنعمة ربك فحدث) فأوتيت لسانه من ذلك الوقت انتهى. وفي بعض المجاميع حج سيدي أحمد الرفاعي فلما وقف تجاه الحجرة الشريفة أنشد: في حالة البعد روحي كنت أرسلها * تقبل الأرض عني فهي نائبتي وهذه نوبة الأشباح قد حضرت * فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي فخرجت اليد الشريفة من القبر الشريف فقبلها. وفي معجم الشيخ برهان الدين البقاعي حدثني الإمام أبو الفضل ابن أبي الفضل النويري أن السيد نور الدين الأيجي والد الشريف عفيف الدين لما ورد إلى الروضة الشريفة وقال السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وسمع من كان بحضرته قائلا من القبر يقول وعليك السلام يا ولدي. وقال الحافظ محب الدين بن النجار في تاريخه أخبرني أبو أحمد داود بن علي بن هبة الله بن المسلمة أنا أبو الفرج المبارك بن عبد الله بن محمد بن النقور قال حكى شيخنا أبو نصر عبد الواحد بن عبد الملك بن محمد بن أبي سعد الصوفي الكرخي قال حججت وزرت النبي صلى الله عليه وسلم فبينا أنا جالس عند الحجرة إذ دخل الشيخ أبو بكر الديار بكري ووقف بإزاء وجه النبي صلى الله عليه وسلم وقال السلام عليك يا رسول الله فسمعت صوتا من داخل الحجرة وعليك السلام يا أبا بكر وسمعه من حضر. وفي كتاب مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام للإمام شمس الدين محمد بن موسى بن النعمان قال سمعت يوسف بن علي الزناني يحكي عن امرأة هاشمية كانت مجاورة بالمدينة وكان بعض الخدام يؤذيها قالت فاستغثت بالنبي صلى الله عليه وسلم فسمعت قائلا من الروضة يقول أما لك فيّ أسوة فاصبري كما صبرت أو نحو هذا قالت فزال عني ما كنت فيه ومات الخدام الثلاثة الذين كانوا يؤذونني. وقال ابن السمعاني في الدلائل أخبرنا أبو بكر هبة الله بن الفرج أخبرنا أبو القاسم يوسف بن محمد ابن يوسف الخطيب أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عمر بن تميم المؤدب حدثنا علي بن إبراهيم بن علان أخبرنا علي بن محمد بن علي حدثنا أحمد بن الهيثم الطائي حدثني أبي عن أبيه عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قدم علينا أعرابي بعد ما دفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرمى بنفسه على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وحثا من ترابه على رأسه وقال يا رسول الله قلت فسمعنا قولك ووعيت عن الله فأوعينا عنك وكان فيما أنزل الله عليك (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي فنودي من القبر أنه قد غفر لك، ثم رأيت في كتاب مزيل الشبهات في إثبات الكرامات للإمام عماد الدن إسماعيل بن هبة الله بن باطيس ما نصه: ومن الدليل على إثبات الكرامات آثار منقولة عن الصحابة والتابعين فمن بعدهم منهم الإمام أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال لعائشة رضي الله عنها إنما هما أخواك وأختاك قالت هذان أخواي محمد وعبد الرحمن فمن أختاي وليس لي إلا أسماء فقال ذو بطن ابنة خارجة قد ألقى في روعي أنها جارية فولدت أم كلثوم. ومنهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قصة سارية حيث نادى وهو في الخطبة يا سارية الجبل الجبل فأسمع الله سارية كلامه وهو بنهاوند، وقصته مع نيل مصر ومراسلته إياه وجريانه بعد انقطاعه. ومنهم عثمان بن عفان رضي الله عنه قال عبد الله بن سلام ثم أتيت عثمان لأسلم عليه وهو محصور فقال مرحبا بأخي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الخوخة فقال يا عثمان حصروك قلت نعم قال عطشوك قلت نعم فأدلى لي دلوا فيه ماء فشربت حتى رويت حتى أني لاجد برده بين ثدييّ وبين كتفي فقال إن شئت نصرت عليهم وإن شئت أفطرت عندنا فاخترت أن أفطر عنده فقتل ذلك اليوم انتهى. وهذه القصة مشهورة عن عثمان مخرجة في كتب الحديث بالإسناد أخرجها الحارث بن أبي أسامة في مسنده وغيره وقد فهم المنصف منها أنها رؤية يقظة وإن لم يصلح عدها في الكرامات لأن رؤية المنام يستوي فيها كل أحد وليست من الخوارق المعدودة في الكرامات ولا ينكرها من ينكر كرامات الأولياء. ومما ذكره ابن باطيس في هذا الكتاب قال ومنهم أبو الحسين محمد بن سمعون البغدادي الصوفي قال أبو طاهر محمد بن علي العلان حضرت أبا الحسين بن سمعون يوما في مجلس الوعظ وهو جالس على كرسيه يتكلم فكان أبو الفتح القواس جالسا إلى جنب الكرسي فغشيه النعاس ونام فأمسك أبو الحسين ساعة من الكلام حتى استيقظ أبو الفتح ورفع رأسه فقال له أبو الحسين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في نومك قال نعم قال أبو الحسين لذلك أمسكت عن الكلام خوف أن تنزعج وينقطع ما كنت فيه. فهذا يشعر بأن ابن سمعون رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقظة لما حضر ورآه أبو الفتح في نومه، وقال أبو بكر بن أبيض في جزئه سمعت أبا الحسن بنانا الحمال الزاهد يقول حدثني بعض أصحابنا قال كان بمكة رجل يعرف بابن ثابت قد خرج من مكة إلى المدينة ستين سنة ليس إلا للسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرجع فلما كان في بعض السنين تخلف لشغل أو سبب فقال بينا هو قاعد في الحجرة بين النائم واليقظان إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول يا ابن ثابت لم تزرنا فزرناك. (تنبيهات) الأول: أكثر ما تقع رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة بالقلب ثم يترقى إلى أن يرى بالبصر، وقد تقدم الأمران في كلام القاضي أبي بكر بن العربي لكن ليست الرؤية البصرية كالرؤية المتعارفة عند الناس من رؤية بعضهم لبعض وإنما هي جمعية حالية وحالة برزخية وأمر وجداني لا يدرك حقيقته إلا من باشره. وقد تقدم عن الشيخ عبد الله الدلاصي فلما أحرم الإمام وأحرمت أخذتني أخذة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار بقوله أخذه إلى هذه الحالة. الثاني: هل الرؤية لذات المصطفى صلى الله عليه وسلم بجسمه وروحه أو لمثاله؟ الذين رأيتهم من أرباب الأحوال يقولون بالثاني وبه صرح الغزالي فقال ليس المراد أنه يرى جسمه وبدنه بل مثالا له صار ذلك المثال آلة يتأدى بها المعنى الذي في نفسه قال والآلة تارة تكون حقيقة وتارة تكون خيالية والنفس غير المثال المتخيل فما رآه من الشكل ليس هو روح المصطفى ولا شخصه بل هو مثال له على التحقيق قال ومثل ذلك من يرى الله تعالى في المنام فإن ذاته منزهة عن الشكل والصورة ولكن تنتهي تعريفاته إلى العبد بواسطة مثال محسوس من نور أو غيره ويكون ذلك المثال حقا في كونه واسطة في التعريف فيقول الرائي رأيت الله في المنام لا يعني أني رأيت ذات الله كما تقول في حق غيره انتهى. وفصل القاضي أبو بكر بن العربي فقال رؤية النبي صلى الله عليه وسلم بصفته المعلومة إدراك على الحقيقة ورؤيته على غير صفته إدراك للمثال. وهذا الذي قاله في غاية الحسن ولا يمتنع رؤية ذاته الشريفة بجسده وروحه وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء أحياء ردت إليهم أرواحهم بعد ما قبضوا وأذن لهم بالخروج من قبورهم والتصرف في الملكوت العلوي والسفلي. وقد ألف البيهقي جزءا في حياة الأنبياء. وقال في دلائل النبوة الأنبياء أحياء عند ربهم كالشهداء. وقال في كتاب الاعتقاد الأنبياء بعد ما قبضوا ردت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم كالشهداء. وقال الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي المتكلمون المحققون من أصحابنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم حي بعد وفاته وأنه يبشر بطاعات أمته ويحزن بمعاصي العصاة منهم وأنه تبلغه صلاة من يصلي عليه من أمته. وقال أن الأنبياء لا يبلون ولا تأكل الأرض منهم شيئا. وقد مات موسى في زمانه فأخبر نبينا صلى الله عليه وسلم أنه رآه في قبره مصليا. وذكر في حديث المعراج أنه رآه في السماء الرابعة ورأى آدم وإبراهيم وإذا صح لنا هذا الأصل قلنا نبينا صلى الله عليه وسلم قد صار حيا بعد وفاته وهو على نبوته انتهى. وقال القرطبي في التذكرة في حديث الصعقة نقلا عن شيخه: الموت ليس بعدم محض وإنما هو انتقال من حال إلى حال ويدل على ذلك أن الشهداء بعد قتلهم وموتهم أحياء يرزقون فرحين مستبشرين وهذه صفة الأحياء في الدنيا وإذا كان هذا في الشهداء فالأنبياء أحق بذلك وأولى. وقد صح أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء وأنه صلى الله عليه وسلم اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس وفي السماء ورأى موسى قائما يصلي في قبره وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه يرد السلام على كل من يسلم عليه إلى عير ذلك مما يحصل من جملته القطع بأن موت الأنبياء إنما هو راجع إلى أن غيبوا عنا بحيث لا ندركهم وإن كانوا موجودين أحياء وذلك كالحال في الملائكة فإنهم موجودين أحياء ولا يراهم أحد من نوعنا إلا من خصه الله تعالى بكرامته انتهى. وأخرج أو يعلى في مسنده والبيهقي في كتاب حياة الأنبياء عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون، وأخرج البيهقي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة ولكنهم يصلون بين يدي الله تعالى حتى ينفخ في الصور. وروى سفيان الثوري في الجامع قال قال شيخ لنا عن سعيد بن المسيب قال ما مكث نبي في قبره أكثر من أربعين ليلة حتى يرفع. قال البيهقي فعلى هذا يصيرون كسائر الأحياء يكونون حيث ينزلهم الله تعالى. وروى عبد الرزاق في مصنفه عن الثوري عن أبي المقدام عن سعيد ابن المسيب قال ما مكث نبي في الأرض أكثر من أربعين يوما، وأبو المقدام هو ثابت بن هرمز شيخ صالح وأخرج ابن حبان في تاريخه والطبراني في الكبير وأبو نعيم في الحلية عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما من نبي يموت فيقيم في قبره إلا أربعين صباحا. وقال إمام الحرمين في النهاية ثم الرافعي في الشرح روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أنا أكرم على ربي من أن يتركني في قبري بعد ثلاث، زاد إمام الحرمين وروي أكثر من يومين. وذكر أبو الحسن بن الزاغوني الحنبلي في بعض كتبه حديثا ان الله لا يترك نبيا في قبره أكثر من نصف يوم. وقال الإمام بدر الدين بن الصاحب في تذكرته. (فصل) في حياته صلى الله عليه وسلم بعد موته في البرزخ وقد دل على ذلك تصريح الشارع وإيماؤه ومن القرآن قوله تعالى (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) فهذه الحالة وهي الحياة في البرزخ بعد الموت حاصلة لآحاد الأمة من الشهداء وحالهم أعلى وأفضل ممن تكن له هذه الرتبة لا سيما في البرزخ ولا تكون رتبة أحد من الأمة أعلى من رتبة النبي صلى الله عليه وسلم بل إنما حصل لهم هذه الرتبة بتزكيته وتبعيته وأيضا فإنما استحقوا هذه الرتبة بالشهادة والشهادة حاصلة للنبي صلى الله عليه وسلم على أتم الوجوه وقال عليه السلام مررت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره. وهذا صريح في إثبات الحياة لموسى فإنه وصفه بالصلاة وأنه كان قائما ومثل هذا لا يوصف به الروح وإنما وصف به الجسد، وفي تخصيصه بالقبر دليل على هذا فإنه لو كان من أوصاف الروح لم يحتج لتخصيصه بالقبر فإن أحدا لم يقل ان أرواح الأنبياء مسجونة في القبر مع الأجساد وأرواح الشهداء أو المؤمنين في الجنة. وفي حديث ابن عباس سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة فمررنا بواد فقال أي واد هذا فقالوا وادي الأزرق فقال كأني أنظر إلى موسى واضعا أصبعيه في أذنيه له جؤار إلى الله بالتلبية مارا بهذا الوادي ثم سرنا حتى أتينا على ثنية قال كأني أنظر إلى يونس على ناقة حمراء عليه جبة صوف مارا بهذا الوادي ملبيا، سئل هنا كيف ذكر حجهم وتلبيتهم وهم أموات وهم في الأخرى وليست دار عمل وأجيب بأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون فلا يبعد أن يحجوا ويصلوا ويتقربوا بما استطاعوا وأنهم وإن كانوا في الأخرى فإنهم في هذه الدنيا التي هي دار العمل حتى إذا فنيت مدتها واعتقبتها الأخرى التي هي دار الجزاء انقطع العمل. هذا لفظ القاضي عياض فإذا كان القاضي عياض يقول أنهم يحجون بأجسادهم ويفارقون قبورهم فكيف يستنكر مفارقة النبي صلى الله عليه وسلم لقبره فإن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان حاجا وإذا كان مصليا بجسده في السماء فليس مدفونا في القبر انتهى. فحصل من مجموع هذا النقول والأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم حي بجسده وروحه وأنه يتصرف ويسير حيث شاء في أقطار الأرض وفي الملكوت وهو بهيئته التي كان عليها قبل وفاته لم يتبدل منه شيء وأنه مغيب عن الأبصار كما غيبت الملائكة مع كونهم أحياء بأجسادهم فإذا أراد الله رفع الحجاب عمن أراد إكرامه برؤيته رآه على هيئته التي هو عليها لا مانع من ذلك ولا داعي إلى التخصيص برؤية المثال. الثالث: سئل بعضهم كيف يراه الراؤن المتعددون في أقطار متباعدة فأنشد: كالشمس في كبد السماء وضوؤها * يغشى البلاد مشارقا ومغاربا وفي مناقب الشيخ تاج الدين بن عطاء عن بعض تلامذته قال حججت فلما كنت في الطواف رأيت الشيخ تاج الدين في الطواف فنويت أن أسلم عليه إذا فرغ من طوافه فلما فرغ من الطواف جئت فلم أره ثم رأيته في عرفة كذلك وفي سائر المشاهد كذلك فلما رجعت إلى القاهرة سألت عن الشيخ فقيل لي طيب فقلت هل سافر قالوا لا فجئت إلى الشيخ وسلمت عليه فقال لي من رأيت فقلت يا سيد رأيتك فقال يا فلان الرجل الكبير يملأ الكون لو دعي القطب من حجر لأجاب فإذا كان القطب يملأ الكون فسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم من باب أولى. وقد تقدم عن الشيخ أبي العباس الطنجي أنه قال وإذا بالسماء والأرض والعرش والكرسي مملوءة من رسول الله صلى الله عليه وسلم. الرابع: قال قائل يلزم على هذا أن تثبت الصحبة لمن رآه. والجواب أن ذلك ليس بلازم أما أن قلنا بأن المرئي المثال فواضح لأن الصحبة إنما تثبت برؤية ذاته الشريفة جسدا وروحا. وإن قلنا المرئي الذات فشرط الصحبة أن يراه وهو في عالم الملك وهذه رؤية وهو في عالم الملكوت وهذه الرؤية لا تثبت صحبته. ويؤيد ذلك أن الأحاديث وردت بأن جميع أمته عرضوا عليه فرآهم ورأوه ولم تثبت الصحبة للجميع لأنها رؤية في عالم الملكوت فلا تفيد صحبته. (خاتمة) أخرج أحمد في مسنده والخرائطي في مكارم الأخلاق من طريق أبي العالية عن رجل من الأنصار قال خرجت من أهلي أريد النبي صلى الله عليه وسلم فإذا به قائم ورجل معه مقبل عليه فظننت أن لهما حاجة قال الأنصاري لقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جعلت ارثي له من طول القيام فلما انصرف قلت يا رسول الله لقد قام بك هذا الرجل حتى جعلت أرثى لك من طول القيام قال ولقد رأيته قلت نعم قلت أتدري من هو قلت لا قال ذاك جبريل مازال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ثم قال أما إنك لو سلمت رد عليك السلام. وأخرج أبو موسى المديني في المعرفة عن تميم بن سلمة قال بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ انصرف من عنده رجل فنظرت إليه موليا معتما بعمامة قد أرسلها من وراءه قلت يا رسول الله من هذا قال هذا جبريل. وأخرج أحمد والطبراني والبيهقي في الدلائل عن حارثة بن النعمان قال مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل فسلمت عليه ومررت فلما رجعنا وانصرف النبي صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل فسلمت عليه ومررت فلما رجعنا وانصرف النبي صلى الله عليه وسلم قال هل رأيت الذي كان معي قلت نعم قال فإنه جبريل وقد رد عليك السلام. وأخرج ابن سعد عن حارثة قال رأيت جبريل من الدهر مرتين. وأخرج أحمد والبيهقي عن ابن عباس قلت كنت مع أبي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده رجل يناجيه فكان كالمعرض عن أبي فخرجنا فقال لي أبي يا بني ألم تر إلى ابن عمك كالمعرض عني قلت يا أبت إنه كان عنده رجل يناجيه فرجع فقال يا رسول الله قلت لعبد الله كذا كذا فقال أنه كان عندك رجل يناجيك فهل كان عندك أحد قال وهل رأيته يا عبد الله قلت نعم قال ذاك جبريل هو الذي يشغلني عنك. وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال رأيت جبريل مرتين. وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأنصار فلما دنا من منزله سمعه يتكلم في الداخل فلما دخل لم ير أحدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كنت تكلم قال يا رسول الله دخل علي داخل ما رأيت رجلا قط بعدك أكرم مجلسا ولا أحسن حديثا منه قال ذاك جبريل وإن منكم لرجالا لو أن أحدهم يقسم على الله لأبره. وأخرج أبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف عن أبي جعفر قال كان أبو بكر يسمع مناجاة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم. وأخرج محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة عن حذيفة بن اليمان أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له بينما أنا أصلي إذ سمعت متكلما يقول اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله علانيته وسره أهل أن تحمد إنك على كل شيء قدير اللهم إغفر لي جميع ما مضى من ذنوبي واعصمني فيما بقي من عمري وارزقني عملا زاكيا ترضى به عني فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذاك ملك أتاك يعلمك تحميد ربك، وأخرج محمد بن نصر عن أبي هريرة قال بينما أنا أصلي إذ سمعت متكلما يقول اللهم لك الحمد كله قال فذكر الحديث نحوه. وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الذكر عن أنس بن مالك قال قال أبي بن كعب لأدخلن المسجد فلأصلين ولأحمدن الله بمحامد لم يحمده بها أحد فلما صلى وجلس ليحمد الله ويثني عليه إذا هو بصوت عال من خلف يقول اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله علانيته وسره لك الحمد إنك على كل شيء قدير إغفر لي ما مضى من ذنوبي واعصمني فيما بقي من عمري وارزقني أعمالا زاكية ترضى بها عني وتب علي فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقص عليه فقال ذاك جبريل. وأخرج الطبراني والبيهقي عن محمد بن مسلمة قال مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا خده على خد رجل فلم أسلم ثم رجعت فقال لي ما منعك أن تسلم قلت يا رسول الله رأيتك فعلت بهذا الرجل شيئا ما فعلته بأحد من الناس فكرهت أن أقطع عليك حديثك فمن كان يا رسول الله قال جبريل. وأخرج الحاكم عن عائشة قالت رأيت جبريل واقفا في حجرتي هذه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يناجيه فقلت يا رسول الله من هذا قال بمن شبهته قلت بدحية قال لقد رأيت جبريل. وأخرج البيهقي عن حذيفة قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج فتبعته فإذا عارض قد عرض له فقال لي يا حذيفة هل رأيت العارض الذي عرض لي قلت نعم قال ذاك ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قبلها استأذن ربه فسلم علي وبشرني بالحسن والحسين أنهما سيدا شباب أهل الجنة وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة. وأخرج أحمد والبخاري تعليقا ومسلم والنسائي وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في دلائل النبوة عن أسيد بن حضير أنه بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوطة عنده إذ جالت الفرس فسكت فسكنت ثم قرأ فجالت فسكت فسكنت فرفع رأسه إلى السماء فإذا هي بمثل الظلة فيها أمثال المصابيح عرجت إلى السماء حتى ما يراها فلما أصبح حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال تلك الملائكة دنت لصوتك ولو قرأت لأصبحت تنظر الناس إليها لا تتوارى منهم. وأخرج الواقدي وابن عساكر عن عبد الرحمن ابن عوف قال رأيت يوم بدر رجلين عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما وعن يساره أحدهما يقاتلان أشد القتال ثم ثلثهما من خلفه ثم ربعهما رابع أمامه.وأخرج إسحاق ابن راهويه في مسنده وابن جرير في تفسيره وأبو نعيم البيهقي كلاهما في دلائل النبوة عن أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه أنه قال بعد ما عمي لو كنت معكم ببدر الآن ومعي بصري لأخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك ولا أتمارى، وأخرج البيهقي عن أبي بردة بن نيار قال جئت يوم بدر بثلاثة رؤوس فوضعتهن بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله أما رأسان فقتلتهما وأما الثالث فإني رأيت رجلا أبيض طويلا ضربه فأخذت رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاك فلان من الملائكة. وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال كان الملك يتصور في صورة من تعرفون من الناس يثبتونهم فيقول إني دنوت منهم فسمعتهم يقولون لو حملوا علينا ما ثبتنا ليسوا بشيء فذلك قوله تعالى (إذ يوحي ربك إلى الملائكة إني معكم فثبتوا الذين آمنوا). وأخرج أحمد وابن سعد وابن جرير وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال كان الذي أسر العباس أبو اليسر كعب بن عمرو وكان أبو اليسر رجلا جموعا وكان العباس رجلا جسيما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا اليسر كيف أسرت العباس قال يا رسول الله لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده هيئته كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أعانك عليه ملك كريم، وأخرج ابن سعد والبيهقي عن عمار بن أبي عمار أن حمزة بن عبد المطلب قال يا رسول الله أرني جبريل في صورته قال أقعد فقعد فنزل جبريل على خشبة كانت في الكعبة فقال النبي صلى الله عليه وسلم ارفع طرفك فرأى قدميه مثل الزبرجد الأخضر، وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب القبور والطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال بينا أنا أسير بجنبات بدر إذ خرج رجل من حفرة في عنقه سلسلة فناداني يا عبد الله اسقني وخرج رجل من تلك الحفرة في يده سوط فناداني يا عبد الله لا تسقه فإنه كافر ثم ضربه بالسوط حتى عاد إلى حفرته فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال لي أو قد رأيته نعم قال ذاك عدو الله أبو جهل وذاك عذابه إلى يوم القيامة، محل الاستدلال رؤيته الرجل الذي خرج عقبه وضربه بالسوط فإنه الملك الموكل بتعذيبه، وأخرج ابن أبي الدنيا والطبراني وابن عساكر من طريق عروة بن رويم عن العرباض بن سارية الصحابي رضي الله عنه أنه كان يحب أن يقبض فكان يدعو اللهم كبرت سني ووهن عظمي فاقبضني إليك قال فبينما أنا يوما في مسجد دمشق وأنا أصلي وأدعو أن أقبض إذا أنا بفتى شاب من أجمل الرجال وعليه رواج أخضر فقال ما هذا الذي تدعو به قلت وكيف أدعو قال قل اللهم حسن العمل وبلغ الأجل قلت من أنت يرحمك الله قال أنا رتابيل الذي يسل الحزن من صدور المؤمنين ثم ألتفت فلم أر أحدا، وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن سعيد بن سنان قال أتيت بيت المقدس أريد الصلاة فدخلت المسجد فبينما أنا على ذلك إذ سمعت خفيفا له جناحان قد أقبل وهو يقول سبحان الدائم القائم سبحان الحي القيوم سبحان الملك القدوس سبحان رب الملائكة والروح سبحان الله وبحمده سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى ثم أقبل خفيف يتلوه ويقول مثل ذلك ثم أقبل حفيف بعد حفيف يتجاوبون بها حتى امتلأ المسجد فإذا بعضهم قريب مني فقال آدمي قلت نعم قال لاروع عليك هذه الملائكة. (تذنيب) ومما يمكن أن يدخل هنا ما أخرجه أبو داود من طريق أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار أن عبد الله بن زيد قال يا رسول الله إني لبين نائم ويقظان إذ أتاني آت فأراني الأذان وكان عمر بن الخطاب قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما. وفي كتاب الصلاة لأبي نعيم الفضل بن دكين أن عبد الله بن زيد قال لولا اتهامي لنفسي لقلت أني لم أكن نائما. وفي سنن أبي داود من طريق ابن أبي ليلى جاء رجل من الأنصار فقال يا رسول الله رأيت رجلا كأن عليه ثوبين أخضرين فأذن ثم قعد قعدة ثم قام فقال مثلها إلا أنه يقول قد قامت الصلاة ولولا أن يقول الناس لقلت أني كنت يقظانا غير نائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أراك الله خيرا. فقال الشيخ ولي الدين العراقي في شرح سنن أبي داود قوله أني لبين نائم ويقظان مشكل لأن الحال لا يخلو عن نوم أو يقظة فكان مراده أن نومه كان خفيفا قريبا من اليقظة فصار كأنه درجة متوسطة بين النوم واليقظة. قلت أظهر من هذا أن يحمل على الحالة التي تعتري أرباب الأحوال ويشاهدون فيها ما يشاهدون ويسمعون ما يسمعون والصحابة رضي الله عنهم هم رؤس أرباب الأحوال. وقد ورد في عدة أحاديث أن أبا بكر وعمر وبلالا رأوا مثل ما رأى عبد الله بن زيد. وذكر إمام الحرمين في النهاية والغزالي في البسيط أن بضعة عشر من الصحابة كلهم قد رأى مثل ذلك. وفي الحديث الذي نادى بالأذان فسمعه عمر وبلال وجبريل أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده، ويشبه هذا ما أخرجه ابن عساكر في تاريخه عن محمد بن المنكدر قال دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بكر فرآه ثقيلا فخرج من عنده فدخل على عائشة ليخبرها بوجع أبي بكر إذ دخل أبو بكر يستأذن فدخل فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يتعجب لما عجل الله له من العافية فقال ما هو إلا أن خرجت من عندي فغفوت فأتاني جبريل عليه السلام فسطعني سطعة فقمت وقد برأت فلعل هذه حال لا غفوة نوم.
مسألة: قول ابن المنصف حد النحو في الاصطلاح عبارة عن العلم بأحكام مستنبطة من استقراء كلام العرب أعني أحكام الكلم في ذواتها وما يعرض لها بالتركيب،هل قوله وما يعرض لها بأو أو بالواو وما معنى ذلك. الجواب: هو بالواو قصد بذلك حد النحو على مصطلح أبيه الشامل للإعراب والتصريف معا فأحكام الكلم في ذواتها هو المبحوث عنه في التصريف وما يعرض لها بالتركيب هو المبحوث عنه في الإعراب ويطلق النحو إطلاقا آخر على ما يرادف الإعراب ويقابل التصريف وله حد غير ما ذكر. مسألة: في قوله صلى الله عليه وسلم من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله والجنة حق والنار حق هل الجنة بالرفع أو بالنصب. الجواب: هو بالنصب لا يجوز غيره لأنه الذي يستقيم به المعنى ولا ينافي هذا قول النحاة يجوز الرفع بعد استكمال الخبر لأنه حيث جاز أن يكون مستأنفا والاستئناف هنا يخل بالمعنى إذ يصير المراد الإخبار بأن الجنة حق وليس مرادا وإنما المراد إدخاله في المشهور به فتعين النصب. مسألة: ما إعراب قوله صلى الله عليه وسلم حبب إليّ من دنياكم ثلاث النساء والطيب وقرة عيني في الصلاة. الجواب: ليس في الحديث لفظ ثلاث وأما إعرابه فحبب فعل مبني للمفعول والظرفان بعده متعلقان به والطيب مرفوع به نائبا عن الفاعل والنساء معطوف عليه. وأما بقية الحديث فلفظ وجعل قرة عيني في الصلاة فقرة مفعول جعل الأول أقيم مقام فاعله لما بني للمفعول والجار والمجرور مفعوله الثاني. ومن زاد في الحديث لفظة ثلاث فقد وهموه لأن الصلاة ليست من أمور الدنيا فالمخصوص بحبه من أمر الدنيا اثنان النساء والطيب وهما بالنسبة إليه دين لا دنيا ولهذا قال من دنياكم ولم يقل من دنياي ولا من الدنيا فأشار بهذه الإضافة إلى أنهما من دنيا الناس لأنهم يقصدونهما للاستلذاذ وحظوظ النفس وهو صلى الله عليه وسلم منزه عن ذلك وإنما حبب إليه النساء لينقلن عنه محاسنه ومعجزاته الباطنة وأحكام الشريعة التي لا يطلع عليها الرجال غالبا ولقيام بأودهن وليتشرف أصحابه بمصاهرته وغير ذلك من الفوائد الدينية وحبب إليه الطيب لملاقاته الملائكة وهم يحبونه ويكرهون الريح الخبيثة. ولهذا امتنع من أكل الثوم ونحوه لأجل أن جبريل يأتيه. وقد ورد في الملائكة أنهم لا يأكلون ولا يشربون ولكن يجدون الريح. مسألة: قوله صلى الله عليه وسلم للجارية التي دعته لحاجتها اجلسي في أي سكك المدينة شئت أجلس إليك، هل أجلس بالجزم أم بالرفع أم بالوجهين. الجواب: المعروف في هذا وأمثاله الجزم وبه ورد القرآن قال تعالى (قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة) والأشهر في توجيهه أنه جواب شرط محذوف. مسألة: قول الخزرجية: إذا استكمل الأجزاء بيت كحشوه * عروض وضرب ثم أو خولفت وفا علام رفع قوله عروض وضرب. الجواب: عروض مبتدأ وضرب عطف عليه والجار والمجرور وهو كحشوه الخبر وتقديمه هو الذي سوغ الابتداء بالنكرة والتقدير كالحشو في الاستكمال العروض والضرب. مسألة: في قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري لو كان ذاك وأنا حي فأستغفر لك. هل لفظ فأستغفر بالنصب أو بالرفع. الجواب: هو بالنصب بتقديران بعد الفاء في جواب لو وهي للتمني لا للشرط على حد قوله تعالى (فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين) ولا يصح كون "لو" في الحديث للشرط لوجوه: أحدها: إن هذا إخبار عن مستقبل ولو إنما تقع شرطا في المضي وإذا وقع المضارع بعدها أول بالمضي. الثاني: أن لو الشرطية لا يقع جوابها مضارعا بل ماضي اللفظ والمعنى. الثالث: أن جواب الشرط إذا كان مضارعا لا يجوز اقترانه بالفاء بالإجماع فعلم بذلك كله أن لو هنا للتمني لا للشرط. مسألة: في إعراب تركيب وقع في بعض الكتب نصه ولا يمكن الوارث أخذها، هل الوارث مرفوع على الفاعلية وأخذها بالنصب على المفعولية أو بالعكس. الجواب: الوارث هو المفعول المنصوب وأخذها هو الفاعل المرفوع لا يجوز غير ذلك ومن عكس فهو عار من علم العربية بالكلية وذلك مأخوذ من قاعدة قررها أهل النحو واتفقوا عليها منهم الزجاجي في الجمل وابن هشام في المغني فقالا إذا اشتبه عليك الفاعل من المفعول فرد الاسم إلى الضمير فما رجع إلى ضمير المتكلم المرفوع فهو الفاعل وما رجع إلى ضميره المنصوب فهو المفعول. قال ابن هشام تقول أمكن المسافر السفر بنصب المسافر لأنك تقول أمكنني السفر ولا تقول أمكنت السفر انتهى. وكذلك التركيب المسؤول عنه لو رجعت الوارث إلى الضمير لقلت في التكلم ولا يمكنني أخذها وفي الخطاب ولا يمكنك أخذها وفي الغيبة ولا يمكنه أخذها فالضمائر كلها منصوبة وأخذها هو الفاعل وكذا الوارث الواقع موقعه، ومن ظن أن الوارث هو الفاعل لكونه من ذوي العقل دون الأخذ فهو في غاية الوهم كيف والإمكان وعدمه إنما هو متعلق بالأخذ لا بالوارث. ومن نظائر ذلك قوله تعالى (كمثل غيث أعجب الكفار نباته) وقوله تعالى (لا ينال عهدي الظالمين) في آيات أخر ترى الفاعل فيها غير أولى العقل. مسألة: فيمن سمع إنسانا ينشد قول العلامة ناصح الدين الأرجاني: هذا الزمان على ما فيه من كدر * حكى انقلاب لياليه بأهليه غدير ماء تراءى في أسافله * خيال قوم تمشوا في نواحيه فالرأس ينظر منكوسا أسافله * والرجل ينظر مرفوعا أعاليه فأعرب الرأس مبتدأ وينظر المبني لما لم يسم فاعله خبر والضمير المستتر فيه العائد إلى الرأس معمول لينظر ومنكوسا حال منه وأسافل منصوب على الظرف والضمير المتصل به عائد إلى الغدير وتقدير الكلام ينظر الرأس حال كونه منكوسا أسافل الغدير والظرف متعلق بينظر وكذا النصف الثاني فيكون تقديره ينظر الرجل حال كونه مرفوعا في أعالي الغدير فيكون الشاعر قد شبه رأس الإنسان برأس الإنسان والرجل بالأسافل والغدير في حال تمثل الأشكال فيه منقلبة بالزمان في انقلابه بأهله ومراتب العلو والسفل الواقع في الحسن بمشاهدة الأشكال المنتكسة في الغدير الموهومة أنها سطوح وقيعان الغدير مراتب الدنيا ومناصبها ويكون سكن ياء أعاليه للضرورة فهل هذا الإعراب صحيح مستقيم أو فاسد باطل أو له وجه ما في الجملة أو ما قاله من رد على هذا المعرب هو الصواب وهو أن أسافل مرفوع على أنه معمول لينظر أعني أنه النائب عن الفاعل والمراد به أعني الأسافل الأرجل والضمير المتصل به عائد إلى الرأس والمراد بالرأس هنا الإنسان من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل وإن هذا مثل قولهم فلان رأس بني فلان وعندي خمسون رأسا من الإبل ومنكوسا حال من الرأس فيكون تقدير الكلام ينظر أسافل الإنسان حال كون الإنسان منكوسا فهل هذا الإعراب صحيح وما اعتبره من مجاز الرأس معتبر علاقته بينه وقرينته الصارفة عن اللفظ المستعمل عما وضع له في التخاطب صالحة أولا لأنه لا اعتبار لكون الإنسان شريفا أو وضيعا بالنسبة إلى تمثل خياله في الغدير وإنما الاعتبار في إنكاس الرأس المشبهة بصاحب الفضل والكمال والشرف المعتبر عند أهل النظر والعقل وارتفاع الرجل المشبه بأرذال الناس وسقاطهم على تقدير صحة كل ذلك هل يتمشى ذلك له في النصف الثاني من البيت وهل قول القائل إن إطلاق الرأس على الإنسان في مثل هذا الموضع أعني حيث لا علاقة ولا قرينة لم يستعمله أحد من العرب ولا من غيرهم من المولدين وأرباب البلاغة والفصاحة مثل أن يقال رأيت رأسا ويريد شخصا من الإنسان من غير حصول قرينة تدل على ذلك وأن مثل ذلك غير فصيح بل غير جائز وإن قيل بجوازه فهو مستهجن غير مألوف صحيح وهل يكون قول القائل في جواز ذلك صرح الأصوليون بعدم اشتراط الوضع في المجاز سفسطة وهذيانا. الجواب: الإعراب الأول هو الصواب والثاني الذي قاله الراد خطأ بالكلية لا وجه له ولو أعربه على وجه آخر فقال أن النائب عن الفاعل ضمير ينظر وأسافله مرفوع بالوصف قبله على أنه نائب فاعل اسم المفعول على حد زيد يصبح مضروبا غلامه وكذا المصراع الثاني لكان له وجه في الجملة ومع إمكان هذا الوجه فالأول هو الصواب. ولهذا الوجه قادح خفي. وأما الوجه الذي قاله الراد فلا وجه له البتة وهو خطأ صراح والقدح فيه أظهر من أن ينبه عليه وكيف يصح ما ذكره من المعنى وهو أن التقدير ينظر أسافل الإنسان حال كون الإنسان منكوسا وهو ينظر بجملة أسافله وأعاليه معا وأيضا فلا يتم له التشبيه الذي عقد البيت لأجله وأيضا فالنكس قلب الأعلى أسفل لا عكسه الذي قرره هذا الراد وهو قلب الأسفل أعلى فذاك يسمى رفعا لا نكسا فلهذا عبر الشاعر في الرأس بمنكوس وفي الرجل بمرفوع ولو كان ما قرره هذا الراد كانت العبارة فالإنسان أو فالرأس أي الإنسان ينظر مرفوعة أسافله وأيضا فجعل منكوسا حالاَ من الرأس يقدح فيه بأمرين كونه من المبتدأ وأكثر النحاة على منعه وكونه يشعر بأن الإنسان إذا قام على الغدير يكون له حالتان حالة يكون فيها منكوسا وحالة لا يكون فيها كذلك وليس الأمر كذلك بل لا يكون إلا منكوسا والأصل في الحال الانتقال فإذا جعل حالا من ضمير ينظر خلا من هذا القادح واستعمال الرأس هنا بمعنى الإنسان لا يمكن تصحيحه أما أولا فلفساد المعنى المراد من التشبيه الذي ساق الشاعر الكلام لأجله وأما ثانيا فلأن مقابلته بالرجل تأبى ذلك هذا هو المعول عليه هنا في إبطال ذلك. وأما عدم القرينة والتنظير برأيت رأسا فلا مدخل له هنا. وأما قول القائل في جواب ذلك صرح الأصوليون بعدم اشتراط الوضع في المجاز فكلام غير واقع موقعه ولا له تعلق بالمقصود. وهذا البيت لا تؤخذ معرفته من علم الأصول بل من علم البلاغة وتوابعه وكذلك البيان والبديع والإنشاء والترسل ونقد الشعر: وللعلوم رجال يعرفون بها * وللدواوين كتاب وحساب مسألة: ما الفرق بين المثيل والشبيه والنظير. الجواب: المثيل أخص الثلاثة والشبيه أعم من المثيل وأخص من النظير والنظير أعم من الشبيه وبيان ذلك أن المماثلة تستلزم المشابهة وزيادة والمشابهة لا تستلزم المماثلة فلا يلزم أن يكون شبه الشيء مما ثلاله والنظير قد لا يكون مشابها. وحاصل هذا الفرق أن المماثلة تقتضي المساواة من كل وجه والمشابهة تقتضي الاشتراك في أكثر الوجوه لا كلها والمناظرة تكفي في بعض الوجوه ولو وجها واحدا يقال هذا نظير هذا في كذا وأن خالفه في سائر جهاته، ويؤيد هذا الذي قلته من المنقول ما نقله الشيخ سعد الدين في شرح العقائد عن الأشعرية أن المماثلة عندهم إنما تثبت بالاشتراك في جميع الأوصاف حتى لو اختلفا في وصف واحد انتفت المماثلة وأما اللغويون فإنهم جعلوا المثيل والشبيه والنظير بمعنى واحد. مسألة: قول الداعي اللهم أرنا وجه نبينا وأوردنا حوضه هل صوابه وأوردنا أو أردنا وهل بينهما فرق من جهة المادة والنقل والمعنى؟. الجواب: الصواب أوردنا من الورود والماضي أورد و مضارعه يورد وأما أردنا فهو من الإرادة ولا معنى له هنا. مسألة: في قوله صلى الله عليه وسلم أو مخرجي هم كيف عطف وهو إنشاء على قول ورقة إذ يخرجك قومك وهو خبر وعطف الإنشاء على الخبر لا يجوز وأيضا فهو عطف جملة على جملة والمتكلم مختلف. الجواب: القول بأن عطف الإنشاء على الخبر لا يجوز هو رأى أهل البيان والأصح عند أهل العربية جوازه وأهل البيان يقدرون في مثل ذلك جملة بين الهمزة والواو وهي المعطوف عليها فالتركيب سائغ على رأى أهل الفنين أما المجوزون لعطف الإنشاء على الخبر فواضح. وأما المانعون فعلى التقدير المذكور أقول ويصح أن تكون جملة الاستفهام معطوفة على جملة التمني في قوله ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك بل هذا هو الظاهر فيكون المعطوف عليه أول الجملة لا ذيلها الذي هو ظرف متعلق بها والتمني إنشاء فهو من عطف الإنشاء على الإنشاء وأما العطف على جملة في كلام الغير فسائغ معروف في القرآن والكلام الفصيح قال تعالى (وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي). مسألة: قول الشاعر: ومستودع عندي حديثا يخاف من * إذاعته في الناس أن ينفد العمر هل يجوز أن يقدر فيه إلى لأن المعنى ينحل إلى أن المودع يخاف إذاعة سره في الناس ما دام حيا إلى حين نفاد عمره أو يمتنع تقدير إلى، وقول الآخر: ومودع سره عندي ويحذر أن * أبديه مني إلى أن ينفد العمر هل دخول إلى في هذا البيت ممتنع وإذا لم يمتنع فهل يجوز أن يكون هذا البيت شاهدا على تقدير إلى في البيت الأول. الجواب: البيت الأول وإن أمكن أن يقدر فيه إلى على بعد لكن الأظهر أن لا تقدر فيه لأن أن ينفذ في محل مفعول يخاف فمتى قدر فيه إلى لزم كونه يخاف بلا مفعول فيصير المعنى ركيكا ولأن تقدير إلى التي هي لانتهاء الغاية لا تكون إلا بعد تقدم من التي هي لابتداء الغاية والبيت خال منها فيكون تقديرها من حيث اللفظ ركيكا. فلما اجتمع قي تقديرها ركاكة اللفظ والمعنى وجب العدول عنه. وأما البيت الثاني فمفعول يحذر موجود وهو أن وصلتها وابتداء الغاية موجود وهو متى فجاز أن يقابل بإلى وكل بيت له معنى يخصه أوجب ذلك ثم تذكرت قاعدة في العربية تقتضي أن البيت الأول لا يجوز تقدير إلى فيه بوجه من الوجوه وذلك أن النحاة نصوا على أنّ أن وأنّ المصدريتين لا يحذف معهما من حروف الجر إلا ما دل عيه الفعل السابق لكونه يعدّى بذلك الحرف فيقال مثلا عجبت أن تقوم فيقدر من لأن عجبت يتعدى بمن وفرحت أن تقوم فتقدر الباء لأن فرح يتعدى بالباء ورغبت أن تجئ فيقدر في لأن رغبت يتعدى بفي وهذا البيت فيه من الأفعال يخاف وهو إنما يتعدى بمن لا بإلى ومن المعدية له موجودة فلا يجوز تقدير إلى فيما بعده لأن الفعل لا يدل عليها. وهذه قاعدة نفيسة ينبغي أن تحفظ. مسألة: يا عالما فاق أهل العصر والأثر * وزان أهل النهي في الخبر والخبر هل لام يطلع مضموم ويضبطها * بذاك ذاكرها في البدو والحضر أو ينصبوها وضم اللام ذا خطأ * كما تفوه شخص من أولي الفكر وما تحقق من قول الذين مضوا * وصنفوا كتبا في الصرف للبشر لا زال مجدك محروسا بأربعة * العز والنصر والإقبال والظفر الجواب: الحمد لله مزجي السحب بالمطر * ثم الصلاة على المختار من مضر بالضم يطلع منقول وشاهده * تطلع على قوم المقروء في الزبر مسألة: يا عالما زاده رب العلا شرفا * على رجال سموا بالفضل والأدب هل رسم أرجو وأشباه لها كتبوا * بالواو مع ألف أمضوه في الحقب أو واوها آخرا فاكشف لنا كربا * لا زلت تنجدنا في السلم والحرب الجواب: الحمد لله حمدا دائما أبدا * ثم الصلاة على خير الهدى العربي ما كان فعلا لفرد ما به ألف * وفعل جمع به زد هذه تصب مسألة: خطيب قال في خطبته والله لتشربن كأسا أمالت الرؤوس ودقت عنقا قالها بضم الدال فاعترضه معترض وقال إنما هي بفتح الدال مبني للفاعل وعنقا مفعول. الجواب: الخطيب مصيب والمعترض مخطئ ودقت بضم الدال مبني للمفعول وعنقا تمييز محول عن النائب عن الفاعل وكان الأصل أمالت الرؤوس ودقت أعناقها. فلما حول أسند دقت إلى ضمير الرؤوس وانتصب ما بعده تمييزا فأفرد كما هو من قواعد التمييز ويوهي كونه بالفتح ونصب عنقا مفعولا الذي جنح إليه المعترض كونه العنق بصيغة الإفراد والكأس لم تدق عنقا واحدة بل دقت أعناقا كثيرة كما أمالت رؤوسا كثيرة فذكر العنق بالإفراد على أنها مفعول في مقابلة الرؤوس التي هي جمع ركيك. مسألة: حديث كما تكونوا يولي عليكم لم حذفت النون من تكونوا دون ناصب وجازم. الجواب: هذا الحديث روي هكذا بلا نون في شعب الإيمان للبيهقي وغيره قد خرج على ثلاثة أوجه: أحدها: أنه على لغة من يحذف النون دون ناصب وجازم كقول الشاعر: أبيت أسري وتبيتي تدلكي، وخرج على هذه اللغة من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا. الثاني: وهو رأى الكوفيين والمبرد أنه منصوب أورده شاهدا على مذهبهم أن كما تنصب وعدوها من نواصب المضارع وهو مذهب ضعيف. والثالث أنه من تغييرات الرواة. مسألة: قول الموثقين زوجا باب ما مدلول هذا اللفظ. الجواب: مدلوله كمدلول مصراعي الباب وهما الفردتان المركبتان عليه قال في الصحاح: الزوج خلاف الفرد وكل منهما يسمى زوجا يقال هما زوجان للاثنين وهما زوج كما يقال هما سيان وهما سواء وتقول اشتريت زوجي حمام وأنت تعني ذكر وأنثى وعندي زوجا نعل. وقال تعالى (من كل زوجين اثنين) مسألة: في إعراب تركيب وقع في بعض الكتب نصه يقضي بالشفعة دافعا عهدتها الدفع إلى ذي اليد هل دافعا حال من الفاعل وهو الدفع أو من النائب عنه وهو بالشفعة. الجواب: الوجه إعرابه حالا من النائب عن الفاعل وهو بالشفعة لا من الدفع الذي هو فاعل اسم الفاعل وهو دافع والذي ذكر أنه حال منه إنما هو تفسير معنى لا تفسير إعراب وتفسير المعنى يتسمح فيه من غير مراعاة ما تقتضيه الصناعة الإعرابية والذي تقتضيه الصناعة قطعا هو كونه حالا من بالشفعة وإن كان في المعنى إنما هو صفة للدفع فهو حال سببية جارية على غير من هي له كالصفة السببية والخبر السببي فهو كقولك جئ بهند ضاربا أبوها عمرا فضاربا حال من بهند لا من أبوها الفاعل به وإن كان في المعنى له ونظيره في الصفة مررت بامرأة ضارب أبوها عمرا وفي الخبر هند ضارب أبوها عمرا فضارب صفة لامرأة لا لأبيها وخبر عن هند لا عن أبيها وإن كان في المعنى إنما هو للأب وتفكيك العبارة يقضي بالشفعة حال كونها دافعا عهدتها الدفع إلى آخره ولا أعرب حالا من الدفع لكان حقه التأخير وحينئذ يصير التركيب يقضي بالشفعة الدفع إلى ذي اليد دافعا عهدتها وهذا التركيب مفلت غير ملتئم وأعجب من ذلك أن يظن أن دافعا حال من الدفع وهو فاعل به. وفي ذلك محذوران من جهة العربية: أحدهما أنه باعتبار كونه حالا منه حقه التأخير عنه وباعتبار كونه عاملا في الدفع الفاعلية حقه التقدم عليه وهذان أمران متناقضان. الثاني: أن اسم الفاعل هنا وهو دافع إنما سوغ عمله الفاعلية و المفعولية كونه حالا كما تقرر في العربية أنه إنما يعمل في مواضع مخصوصة منها كونه حالا فلا بد أن يكون حالا قبل العمل حتى يصح عمله فلا يصح أن يعمل الفاعلية ثم يصير حالا من الفاعل لأنه عمل قبل وجود الشرط وذلك باطل بالإجماع مسألة: في قول القاضي عياض في الفصل الخامس عقب الكلام على آيات النجم: اشتملت هذه الآيات على إعلام الله تعالى بتزكية جملته صلى الله عليه وسلم وعصمتها من الآفات في هذا المسرى فزكى فؤاده ولسانه وجوارحه وقع في بعض النسخ فزكى قلبه بقوله تعالى (ما كذب الفؤاد) الآية بالفاء وفي بعضها بالواو فهل يتعين الإتيان بالفاء أو الواو فإن قلتم بالأول فما وجهه أو بالثاني فما وجهه. الجواب: يتعين في مثل هذا التعبير بالفاء وهي تفسيرية ولا يجوز التعبير بالواو ومن أمعن النظر في القرآن والحديث وكلام العرب والعلماء والبلغاء لم يمتر في ذلك فمن أمثلة ذلك قوله تعالى (أهلكناها فجاءها بأسنا) فإن قوله فجاءها بأسنا تفسير لأهلكنا والفاء تفسيرية. وفي صحيح البخاري أنهم شكوا سعدا فشكوا أنه لا يحسن أن يصلي قال شراحه الفاء هنا تفسيرية وقال جماعة في قوله تعالى (فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم) إن الفاء في فاقتلوا تفسيرية لأن توبتهم كانت نفس القتل. وكذا قول صاحب الشفاء فزكى قلبه بقوله إلى آخره تفسير لقوله قبله فزكى فؤاده وقوله فزكى فؤاده ولسانه وجوارحه تفسير لقوله اشتملت هذه الآيات على إعلام الله بتزكية جملته والتعبير في مثل ذلك بالواو مخل بالمعنى والله أعلم. مسألة: في تعريف اللفظ بالصوت المشتمل على بعض الحروف هل هو غير جامع وإذا قلتم أنه غير جامع فلم اقتصر عليه الموضح وغيره من النحاة مع أنه زاده في موضع آخر فقال هو الصوت المشتمل على بعض الحروف أو ما هو في قوة ذلك وهو المراد بقول بعضهم بالفعل أو بالقوة. الجواب: نعم هو غير جامع لأنه يخرج عنه الحرف الواحد كواو العطف وفائه وباء الجر ولامه إذ لا يقال في الجر أنه مشتمل على نفسه. وقد اعترض المحققون بذلك على ابن المنصف في حياته وسلمه. قال بعضهم فالأحسن تعريف اللفظ بالصوت المعتمد على مقطع فإنه تعريف سالم من كل إيراد ولهذا عبرت به في شرحي. مسألة: يا حبذا أنت الوسيلة والقصدا هل هو تركيب صحيح أو لا وإذا كان صحيحا فما وجه نصب الوسيلة والقصد وهل يجوز رفعهما. الجواب: النصب في مثل هذا واجب لكن شرطه أن يقع نكرة واختلف هل هو حال أو تمييز كقول الشاعر ألا حبذا قوما سليم فإنه* وقول الآخر: حبذا الصبر شيمة لامرئ * رام مباراة مولع بالمعالي فتعريفه إما على حد تعريف الحال في قراءة من قرأ (ليخرجن الأعز منها الأذل) أو التمييز في قوله *وطبت النفس يا قيس عن عمرو* لكن يحتاج إلى ثبوت أن النحاة يجيزون وقوع المعروف بعد حبذا قبل مخصوصها أو بعده وهو شيء لم يصرحوا به . مسألة: في قول بعض الشعراء: خذوا قودي من أسير الكلل * فواعجبا من أسير قتل هل المراد به الجفون. الجواب: الكلل هنا جمع كلة وهي ستر مربع وقال الهروي هو ستر رقيق يخاط كالبيت ويطلق أيضا على الهودج والصوامع والقباب ولا يصح إرادة الجفون هنا لأن الشاعر أراد بالأسير هنا المرأة المخدرة المحجوبة ولا يصح أن تكون أسيرة لجفونها وإنما أسير جفونها هو الشاعر نفسه. مسألة: يا من غدا بمراح الصرف مشغولا * وحاز ما فيه منقولا ومعقولا ما الراح سابق رحراح بخطبته * أفده من لغة بقيت منقولا موافقا للذي قال الشروح فكم * من فاضل صار بالأفضال مشمولا وقوله قيل مردوفا بآخره * بأجوف في بناء الفعل مجهولا فإن معلومه قد صرفوه إلى * حد ويقصر ذا عن حده طولا في بادئ الرأي يا من لا نظير له * ومن يرى عن خفايا العلم مسئولا لا زلت في نعمة تبدي العلوم لمن * بالحق يعلم ما تبديه منقولا الجواب: لله حمدا أتى بالذكر مشمولا * من مخلص لا يرى بالغش معلولا ثم الصلاة على الهادي وعترته * وصحبه الغر والتسليم منحولا الراح لفظ أتى في النقل مشتركا * له معان حكاها ذو يد طولا منها الأراضي ذوات الاستواء بها * نبت رأيناها في القاموس منقولا وقيل صرفه كالمعلوم لا حذر * كالكلمتان أيا أهل النهي قيلا لازال فضلك منشورا بلا كدر * مؤيدا برداء العز مشمولا مسألة: ما قولكم في جواب قول القائل: يا بحر علم طافح رأينا * مقرونة بالغسل في المنهاج بالرفع مضبوطا لمنشيه وقد * جوز فيه النصب للمحتاج والقصد توجيه لكل منهما * ليرتوي من بحرك العجاج الجواب: لله حمد والصلاة للذي * قد خصه الوهاب بالمعراج الرفع وصف نية لأنها * نكرة تجري على المنهاج والنصف وصف نية محذوفة * معمولة المذكور في المنهاج مسألة: أيا علماء النحو هل مثل كافر * محلى بلام مثل جمع منكر لتحكم فيما بعد إلا له تلت * بجر لوصف يا أخا المتفكر فقد جاء في المنهاج ما هو موهم * وإن جاز غير النصب فامنن وذكر فأنت لها كهف وأنت ملاذنا * فحمدا وشكرا للمليك الميسر ونولي صلاة تستدام على الرضا * وآل وصحب للنبي المبشر الجواب: ألا الحمد لله العلي المقدر * وأثنى على الهادي النبي المبشر محلى بلام الجنس تجري كجمعهم * وتتلى بالاستثناء من غير تنكر فإن كان في نفي فأبدله متبعا * وإن شئت فانصبه بغير المشهر وخرج على هذا الذي في عبارة الن * واوي في المرتد والجر واذكر وما صح في إلا هنا الوصف ظاهرا * فإن شروط الوصف منها هنا عري
|